الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
وقول الآخر: وقال ابن الأنباري: إن لغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا لأن الله تعالى لم يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان غير لسان قريش، ولا يخفى أن مسئلة وقوع شيء بغير لغة قريش من لغات العرب في القرآن خلافية، وقد بسط الكلام عليها في الإتقان، والحق الوقوع وتخرص الزمخشري على عك فقال: لعل عكا تصرفوا في يا هذا كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء فقالوا: في ياطا واختصروا هذا واقتصروا على ها. وتعقبه أبو حيان بأنه لا يوجد في لسان العرب قلب يا التي للنداء طاء وكذلك حذف اسم الإشارة في النداء وإقرارها التي للتنبيه ولم يقل ذلك نحوى. وذكر في البيت الأخير أنه إن صح فطه فيه قسم بالحروف المقطعة أو اسم السورة على أنه شعر إسلامي كقوله: {حم لاَ يُنصَرُونَ}.وتعقب بأنه احتمال بعيد وهو كذلك في المثال وقد رواه النسائي مرفوعًا. ولفظ الخبر إذا لقيكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون وليس في سياقه دليل على ذلك، ويحتمل أن يكون لا ينصرون مستأنفًا والشعار التلفظ بحم فقط كأنه قيل: ماذا يكون إذا كان شعارنا ذلك فقيل: لا ينصرون، وأخرج ابن المنذر. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه سبحانه، وعن أبي جعفر أنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.وقرأت فرقة منهم أبو حنيفة. والحسن. وعكرمة. وورش {طه} بفتح الطاء وسكون الهاء كبل فقيل: معناه يا رجل أيضًا، وقيل: أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه عليه الصلاة والسلام كما روي عن الربيع بن أنس كان إذا صلى قام على رجل واحدة فأنزل الله تعالى: {طه} إلخ، وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أَيُّهَا المزمل قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلًا} [المزمل: 1، 2] قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع رجلًا فهبط عليه جبريل عليه السلام فقال: {طه} الآية والأصل طأ فقلبت الهمزة هاء كما قالوا في إياك وارقت ولانك هياك وهرقت ولهنك أو قلبت الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفا كما في قول الفرزدق: وكما قالوا في سأل {سال} [المعارج: 1] وحذفت في الأمر لكونه معتل الآخر وضم إليه هاء السكت وهو في مثل ذلك لازم خطا ووقفا، وقد يجري الوصل مجرى الوقف فتثبت لفظًا فيه، وجوز بعضهم أن يكون أصل {طه} في القراءة المشهورة طاها على أن طا أمر له صلى الله عليه وسلم بأن يطا الأرض بقدميه وها ضمير مؤنث في موضع المفعول به عائد على الأرض وإن لم يسبق لها ذكر، واعترض بأنه لو كان كذلك لم تسقط منه الألفان ورسم المصحف وإن كان لا ينقاس لكن الأصل فيه موافقته للقياس فلا يعدل عنه لغير داع وليست هذه الألف في اسم ولا وسطا كما في الحرث ونحوه لتحذف لاسيما وفي حذفها لبس فلا يجوز كما فصل في باب الخط من التسهيل.واعترض بهذا أيضًا على تفسيره بيا رجل ونحوه، وقيل: نوجيه ذلك على هذا الأصل ويعلم منه توجيه آخر لقراءة أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ومن معهم أن يقال: اكتفى من طأبطاء متحركة ومن ها الضمير بهاء ثم عبر عنهما باسميهما فها ليست ضميرًا بل هي كالقاف في قوله: واعترض أيضًا بأنه كان ينبغي على هذا أن لا تكتب صورة المسمى بل صورة الاسم. وأجيب بأن كتابة الأسماء بصور المسميات أمر مخصوص بحروف التهجي. وتعقب بأن ما ذكر لا يقطع مادة الإيراد إذ لو كان كذلك لا نفصل الحرفان في الخط بأن يكتبان هكذا طه. فإن قيل: إن خط المصحف لا ينقاس قيل عليه ما قيل، والحق أن دعوى أن خط المصحف لا ينقاس قوية جدا وما قيل عليها لا يعول عليه، وما صح عن السلف يقبل ولا يقدح فيه عدم موافقة القياس، وإن كانت الموافقة هي الأصل.وقد روي عن علي كرم الله تعالى وجهه. والربيع بن أنس أنهما فسرا {طه} بطأ الأرض بقدميك يا محمد ولم أقف على طعن في الرواية والله تعالى أعلم.واختلف في إعرابه حسب الاختلاف في المراد منه فهو على ما نقل عن الجمهور من أن المراد منه طائفة من حروف المعجم مسرودة على نمط التعديد افتتحت بها السورة لا محل له من الاعراب، وكذا ما بعده من قوله تعالى:
أي ما أنزلناه عليك لتتعب بالمبالغة في مكابدة الشدائد في مقاولة العتاة ومحاورة الطغاة وفرط التأسف على كفرهم به والتحسر على أن يؤمنوا به كقوله تعالى شأنه {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ على ءاثارهم} [الكهف: 6] الآية بل لتبلغ وتذكر وقد فعلت فلا عليك ان لم يؤمنوا بعد ذلك أو لصرفه عليه الصلاة والسلام عما كان عليه من المبالغة في المجاهدة في العبادة كما سمعت فيما أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه أي ما أنزلناه عليك لتتعب بنهك نفسك وحملها على الرياضات الشاقة والشدائد الفادحة وما بعث إلا بالحنفية السمحة، وقال مقاتل: إن أبا جهل. والنضر بن الحرث. والمطعم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا كثرة عبادته: إنك لتشقي بترك ديننا وإن القرءان أنزل عليك لتشقي به فرد الله تعالى عليهم ذلك بأنا ما أنزلناه عيك لما قالوا: والشقاء في كلامهم يحتمل أن يكون عناه الحقيقي وهو ضد السعادة والتعبير به في كلامه تعالى من باب المشاكلة وإن أريد منه القرآن بتأويل بالمتحدي به جنس هذه الحروف.فجوز فيه أن يكون محله الرفع على الابتداء والجملة بعده خبره، وقد أقيم فيها الظاهر أعني القرآن مقام الضمير الرابط لنكتة وهو أن القرآن رحمة يرتاح لها فكيف ينزل للشقاء، وقيل: الخبر محذوف، وقيل: هو خبر لمبتدأ محذوف. والجملة على القولين مستأنفة. وجوز أن يكون محله النصب على إضمار اتل. وقيل: على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب بفعله مضمرًا نحو قوله: وجوز أن يكون محله الجر بتقدير حرف القسم نظير قوله من وجه، والجملة بعده على تقدير إرادة القسم جواب القسم. وجوز هذه الاحتمالات على تقدير أن يكون المراد منه السورة.وأمر ربط الجملة على تقدير ابتدائيته وخبريتها ان كان القرآن خاصًا بهذه السورة باعتبار كون تعريفه عهديا حضوريًا ظاهر. وإن كان عامًا فالربط به لشموله للمبتدأ كما قيل في نحو زيد نعم الرجل.ومنع بعضهم إرادة السورة مطلقًا لا تفاق المصاحف على ذكر سورة في العنوان مضافة إلى طه وحينئذ يكون التركيب كإنسان زيد وقد حكموا بقبحه وفيه بحث لا يكاد يخفى حتى على بهيمة الأنعام، وبعضهم إرادة ذلك على تقدير الأخبار بالجملة بعد قال: لأن نفى كون إنزال القررن للشقاء يستدعي وقوع الشقاء مترتبًا على إنزاله قطعًا إما بحسب الحقيقة كما إذا أريد به التعب أو بحسب زعم الكفرة كما لو أريد به ضد السعادة، ولا ريب في أن ذلك إنما يتصور في إزال ما أنزل من قبل وأما انزال السورة الكريمة فليس مما يمكن ترتب الشقاء السابق عليه حتى يتصدى لنفيه عنه أما باعتبار اتحاد القرآن بالسورة فظاهر، وأما باعتبار الاندراج فلأن مآله أن له يقال: هذه السورة ما أنزلنا القرآن المشتمل عليها لتشقى، ولا يخفى أن جعلها مخبرًا عنها مع أنه لا دخل لإنزالها في الشقاء السابق أصلًا مما لا يليق بشأن التنزيل اه ولا يخلو عن حسن، وعلى ما روي عن أبي جعفر من أنه من أسمائه صلى الله عليه وسلم يكون منادي وحكمه مشهور، والجملة جواب النداء، ومحله على ما أخرج ابن المنذر.وابن مردويه عن الحبر من أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه تباركت أسماؤه النصب أو الجر على ما سمعت آنفًا.وعلى ما روي عن الأمير كرم الله تعالى وجهه. والربيع يكون جملة فعلية وقد مر لك تفصيل ذلك، والجملة بعده مستأنفة استئنافًا نحويًا أو بيانيًا كأنه قيل لم اطؤها؟ فقيل: {مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى} وقرأ طلحة {مَّا نَزَّلَ عَلَيْكَ القرءان} بتشديد الفعل وبنائه للمفعول وإسناده إلى القرآن.
|